لماذا يحفز "الإغلاق الحكومي" صعود العملات المشفرة؟ -- Oct 07 , 2025 11
يشعل الإغلاق الحكومي الأميركي موجة جديدة من الجدل في الأسواق العالمية، بعد أن بدت المؤشرات المالية تسلك مساراً غير مألوف يجمع بين التفاؤل والتوجس في آن واحد؛ فبينما تعود المخاوف من شلل مؤسسات الدولة إلى الواجهة، تتجه أنظار المستثمرين نحو الأصول البديلة التي قد توفر ملاذاً من اضطراب السياسات جنباً إلى جنب والذهب كملاذ آمن تقليدي.
يُعيد هذا المشهد طرح السؤال القديم المُتجدد حول موقع العملات المشفرة، وفي القلب منها البتكوينفي معادلة التحوط؛ بعد أن أثبتت تحركاتها الأخيرة قدرتها على استقطاب رؤوس أموال ضخمة في أوقات الغموض السياسي والاقتصادي، فبينما كان الذهب لسنوات هو "الملاذ الآمن" التقليدي، يبرز "نظيره الرقمي" كمخزن محتمل للقيمة في ظل عالم يتسارع فيه التحول التكنولوجي.ومع تصاعد الترقب لمدى طول الإغلاق وتأثيره على قرارات الاحتياطي الفيدرالي المقبلة، تبدو الأسواق أمام اختبار مزدوج بين الإيمان بقوة التكنولوجيا كمحرّك للنمو، والحذر من هشاشة الثقة في المؤسسات التقليدية، لتتأرجح التوقعات بين الذهب التقليدي و"الذهب الرقمي" الجديد.
وخلال تعاملات الاثنين، اخترقت البتكوين مستويات قياسية جديدة فوق الـ 126 ألف دولار (قبل أن تتراجع إلى ما دون الـ 125 ألفا في تعاملات الثلاثاء). كما ارتفعت "الإيثر" إلى مستويات فوق الـ 4700 دولار قبل أن تقلص مكاسبها بشكل محدود صباح الثلاثاء، وقفزت سولانا إلى مشارف الـ 240 دولاراً.
تأثير مختلف
في هذا السياق، ينقل تقرير لـ "بلومبيرغ" عن الرئيس العالمي لأبحاث الأصول الرقمية في ستاندرد تشارترد، جيف كندريك، قوله:
"الإغلاق مؤثر هذه المرة".. ومن المتوقع ارتفاع قيمة العملة المشفرة خلال هذه الفترة.
بتكوين كانت "في وضع مختلف" خلال الإغلاق السابق بين عامي 2018 و2019، عندما كان تداول العملة أقل انسجاماً مع الأصول التقليدية عالية المخاطر.
ويشير التقرير إلى أن ارتفاع المخاطر على نطاق أوسع بسبب إغلاق الحكومة الأميركية يعزز أكبر عملة مشفرة في العالم.
وكانت الأسهم الأميركية قد لامست مستويات قياسية يوم الجمعة، في ظل جولة جديدة من صفقات وشراكات الذكاء الاصطناعي الضخمة، متحديةً بذلك احتمال استمرار الإغلاق الحكومي لفترة طويلة وقراءة قاتمة لنشاط الأعمال. فيما تراجعت سندات الخزانة والدولار. بينما سجل الذهب مكاسب للأسبوع السابع، مدفوعاً بعمليات شراء من البنوك المركزية في ظل انخفاض أسعار الفائدة الأميركية واستمرار مخاوف التضخم.
وتشير بيانات بلومبيرغ إلى أن المستثمرين ضخوا 3.2 مليار دولار في مجموعة من 12 صندوقاً أميركياً متداولاً في البورصة لعملة بتكوين الأسبوع الماضي، وهو ثاني أعلى عائد منذ إطلاقها في العام 2024. وفي الوقت نفسه، ارتفعت الفائدة المفتوحة الاسمية على صندوق iShares Bitcoin Trust ETF التابع لشركة بلاك روك إلى مستوى قياسي بلغ 49.8 مليار دولار يوم الجمعة.
البتكوين أم الذهب؟ ما هو أفضل خيار للمستثمرين؟
اتجاه جديد
في السياق، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
الأصل في الأوضاع الاقتصادية هو أن الأصول عالية المخاطر لا يُفترض أن تستفيد من الإغلاق الحكومي الأميركي؛ ذلك أن فترات عدم الاستقرار تدفع المستثمرين عادة إلى "الملاذات الآمنة" مثل الذهب والمعادن الثمينة أو سندات الخزانة الأميركية؛ نظراً لارتفاع مستويات عدم اليقين.
لكن هذه المرة شهدنا اتجاهاً غير تقليدي من المستثمرين نحو العملات المشفرة، التي ارتفعت (لمستويات قياسية) باعتبارها أداة تحوط في حال طال أمد الأزمة، خصوصاً مع تزايد الضغوط على الاقتصاد الأميركي وضعف الدولار.
اللافت في المشهد الحالي هو ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية رغم كونها من الأدوات المالية عالية المخاطر، وهو ما يعكس أن الأسواق قد تكون تسعّر سيناريو مفاده أن الإغلاق الحكومي لن يطول ولن يترك أثراً بالغاً على الاقتصاد الأميركي، وأن الحلول السياسية قيد النقاش.
ويتابع: "التحرك الطبيعي والمنطقي نراه في أسعار الذهب والفضة، إذ سجلتا مستويات قياسية تاريخية؛ نتيجة لزيادة الإقبال على التحوط".
ويختتم يرق بالقول إن الأسواق تتعامل حالياً مع عاملين رئيسيين:
الأول: التحوط عبر الذهب والفضة والعملات المشفرة،
الثاني: التفاؤل في سوق الأسهم بدعم من الاستثمارات الضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، إلى جانب التوقعات بإمكانية خفض الفائدة مجدداً من قبل الاحتياطي الفيدرالي لدعم الاقتصاد الأمريكي في مواجهة هذه التحديات.
وتجاوزت القيمة السوقية للعملة المشفرة الأكبر، خلال تعاملات الاثنين، حاجز 2.5 تريليون دولار أميركي لأول مرة. وقد أدى إغلاق الحكومة الأميركية، وهو الأول منذ عام 2018، إلى تجدد النقاشات حول دور بتكوين كمخزن للقيمة وسط حالة من عدم اليقين السياسي، وفقاً لما نقله coinmarketcap عن رئيس قسم المعلومات في بنك سيغنوم، فابيان دوري.
ويشير التقرير إلى أن الظروف الاقتصادية الكلية المواتية، إلى جانب ارتفاع الطلب المؤسسي، عززا أداء بتكوين في العام 2025.
وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة بيتبول كابيتال، جو دي باسكوالي، فإن "الإغلاق الحكومي المطول لا يزال يحفز الاهتمام بالأصول الملموسة، مما يدعم الطلب على بتكوين كمخزن بديل للقيمة".
ضعف الثقة
بدوره، يشير خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
حقيقة أن الأصول عالية المخاطر مثل البتكوين هي الأكثر استفادة من الإغلاق الحكومي، تحمل جزءًا من الحقيقة، لكنها لا تعبّر عن الصورة الكاملة.
الإغلاق الحكومي عادةً ما يخلق حالة من عدم اليقين والتوتر في الأسواق، مما يدفع المستثمرين إلى الملاذات الآمنة كالذهب والسندات قصيرة الأجل، وبالتالي يكون رد الفعل الأولي ضد الأصول المتقلبة.
استفادة البتكوين تأتي من زاوية مختلفة، إذ يؤدي ضعف الثقة في المؤسسات الحكومية أو النظام المالي التقليدي إلى توجه بعض المستثمرين نحو البتكوين كبديل أو كـ"ذهب رقمي"، خصوصاً في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية الكبرى.
ويلفت إلى أن الأثر الأعمق للإغلاق الحكومي يتمثل في تأثيره على السياسة النقدية؛ ذلك أن استمرار الإغلاق يضغط على الاقتصاد ويجبر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على تسريع تخفيف سياسته النقدية، وهو ما يزيد من شهية المخاطرة ويجعل الأصول عالية المخاطر مثل البتكوين وأسهم التكنولوجيا أكثر جاذبية.
ويختتم سعيد حديثه بالتأكيد على أن السياق العام هو الذي يحدد شكل التأثير، مشيراً إلى أن البتكوين قد تستفيد مؤقتاً من تلك الظروف، لكنها تظل أصلاً عالي التقلب، ولا يمكن وصفها بالمستفيد الأكبر أو الأوحد مقارنةً بالذهب الذي يبقى الملاذ الآمن التقليدي في أوقات الأزمات.
توقعات إيجابية
وبحسب رئيس أبحاث الأصول الرقمية في ستاندرد تشارترد، جيفري كندريك، في مذكرة نُشرت في 3 أكتوبر، فإن "سعر البتكوين سيقفز بسرعة إلى 135 ألف دولار. وكان قد توقع وصول العملة المشفرة الأكبر إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق هذا الأسبوع (وهو ما تحقق بالفعل خلال تعاملات الاثنين).
ووفقًا للمذكرة، يلعب إغلاق الحكومة في الولايات المتحدة دوراً أكبر في أسواق العملات المشفرة هذه المرة مقارنة بالدورات الصعودية السابقة.
تباطؤ النشاط
وفي السياق، يقول أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الأصول عالية المخاطر هي تلك التي تتأثر سريعاً بأي تغيّر في السياسات المالية أو النقدية، وتشمل الأسهم، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والنمو، إضافة إلى العملات الرقمية مثل بتكوين، وبعض السلع.
ويوضح أن الإغلاق الحكومي الأميركي يؤدي عادة إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي مؤقتاً، وتأجيل قرارات مرتبطة بالفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، وانخفاض عوائد السندات الأميركية نتيجة زيادة الإقبال عليها كملاذ آمن، مما يعزز من إضعاف الدولار مؤقتاً أمام العملات الأخرى.
ويشير إلى أن الأصول عالية المخاطر قد تستفيد جزئياً في مثل هذه الظروف، ما لم يستمر الإغلاق لفترة طويلة، موضحاً أن الأسهم الأميركية، وخاصة شركات التكنولوجيا، إلى جانب العملات الرقمية والذهب (كملاذ آمن)، من أبرز المستفيدين المحتملين. أما القطاعات المرتبطة بالإنفاق الحكومي، والأسواق الناشئة، فتعد الأكثر تضرراً.